غالبا ما تنتهي الزيارات الرسمية للملوك والرؤساء وكبار المسؤولين بمذكرات تفاهم أو حتى اتفاقيات ترتبط بعدة مراحل لكن يمكن أن يتخذ الوصف سمة أخرى عندما لا تكون ليست “مجرد وعود” بل هي “عقود تم توقيعها بالفعل”.
زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة تواصل سعيها في تغيير المفهوم التقليدي للزيارات الرسمية وهو ما تحدثنا عن أحد أبرز ملامحه في مقال سابق.
وفي دبلوماسية شجاعة وشفافة قال الأمير محمد بن سلمان مع بدء زيارته للولايات المتحدة : “أنا اليوم في بلد حليف لنا، في وقت حسَّاس جداً .. اليوم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها لديهم دور مهم جداً لمجابهة المخاطر، التي قد تؤثر على العالم بشكل عام، ونحن نعمل بجد لمجابهة هذه المشاكل”.
وهو بذلك أشار صراحة إلى أن هذه الزيارة لن تنتهي دون إنجازات حقيقية وملموسة. تتفق والإصرار على المضي دون توقف نحو #رؤية_السعودية_2030 وأولها #التحول_الوطني_2020 .
الفاصل بين إعلان الرؤية والتحول الوطني كان كافياً ليطلع العالم على أبعاده الأساسية, وبرغم حلول الشهر الكريم وما يغلب عليه عادة من تأجيل للحراك السياسي للزيارات الرسمية إلا أن الأمير الشاب يدرك قيمة الوقت لذا لم يتأخر.
الاهتمام الأمريكي بما قدمته السعودية من خلال هذه الزيارة كان عالياً جداً خاصة أن الأمير محمد تولى بنفسه مهمة الرد على الاستفسارات بلغة مفعمة بالثقة.
ولعلي أذكر في هذه الصدد عنصر المجاملة التي تحولت لإعجاب كبير، عندما حضر عدد من رواد الابتكار الأمريكيين إحدى اللقاءات بدافع يغلب عليه المجاملة دون أدنى توقع للدخول في حالة انبهار، إلا أن ذلك سرعان ما تحول لسيل من الاستفسارات المنبهرة أثناء استماعهم للأمير وهو يتحدث عن رؤية السعودية 2030 بكامل تفاصيلها ودقة أرقامها، متحاوراً معهم ، ومجيباً عليهم .. ليلة كانت غير متوقعة لهم البتة .
لقد جسدت هذه الزيارة حرص المملكة على الاستفادة من كبار الاستثمارات العالمية لإثراء تجربة الرؤية السعودية من خلال الحديث إلى كبريات الشركات الأمريكية والعالمية في كاليفورنيا ونيويورك وسان فرانسيسكو وغيرها مما شمله برنامج الزيارة.
يدرك الأمير محمد بن سلمان أهمية تسريع الوتيرة نحو التحول الوطني ضمن إطار الرؤية لذا تم الإعلان أولاً عن استثمار شجاع في شركة (أوبر) الأمريكية ضمن طموح يشمل تقديم فرص قوية لأبرز الشركات الأمريكية الأقوى عالمياً في مجالات مختلفة.
كما أن العروض الاستثمارية التي شرحها الأمير الشاب بنفسه برغم أن البروتكول أحيانا قد يسند الأمر لمساعديه أو الوزراء المصاحبين مثلاً إلا أن الأمير كان حريصاً على أن يقدم الرؤية السعودية بنفسه، وكذلك برنامج التحول الوطني، وبدقة أسرت إعجاب المسؤولين الأمريكيين والمستثمرين أيضا الذين ذهلوا لحجم الفرص التي تقدمها المملكة ضمن عروض اتفاقات تعود بالنفع الكبير على البلدين.
أصداء الزيارة سواء من خلال الاستقبال الإيجابي الذي تركته خصوصاً لدى السياسيين والمستثمرين الأمريكيين استقطب أيضاً اهتمام الإعلام العالمي وترك نظرة إيجابية جداً نحو جدِّية المملكة في التحول نحو مستقبل لا يعتمد على النفط واستثمارات تستقطب العالم بأجمعه.
وإذا كانت المنجزات لهذه الزيارة ينظر لها بالأرقام – وهي بطبيعة الحال تحتاج لوقتها- إلا أنها تعد في غاية الأهمية، فخلال الزيارة تم السماح بإصدار تصاريح استثمارية عالية لعدة شركات عملاقة مثل داو كيميكال وفايزر و3M ، بالإضافة لشراكة استراتيجية مع جنرال الكتريك فيما تتجه الطموحات نحو شركات مثل “آبل” و “فيسبوك” و “تويتر” ، حيث يمكن من خلال نظرة على تلك الأسماء التأكيد على الأمر تخطى ما هو أكثر من الاستثمار إلى السعي لنقل وتوطين التكنولوجيا وتدريب الكوادر السعودية والدفع بريادة الأعمال بوجهها الحقيقي نحو المستقبل وكمثال ليس ببعيد شراكة كلية محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال مع كلية “بايسون” العالمية و “لوكهيد مارتن” .
لقد كانت محطة “وادي السليكون” من أهم محطات الأمير حيث كان على موعد مع أكبر الشركات الأمريكية وكبار المستثمرين العالميين في مجال التقنية والتكنولوجيا تحديداً. وبشكل غير مسبوق، ومع آخر يوم في الزيارة وقبل الإنطلاق في جولة مع شريك لا يقل أهمية كان واضحاً أن الرؤية السعودية قد استحوذت اهتمام أبرز الشركات الأمريكية للدخول في فرص عظيمة خلال الـ 14 عاماً القادمة التي تفصلنا عن 2030 .
لم تكن الرؤية هي فقط نجم الزيارة بل إن البساطة والشفافية التي قدم بها ولي ولي العهد رؤية بلاده وحلم مستقبلها كانت ملفتة جداً للدرجة التي جعلت السيناتور بن كاردين يقول “إنه شخص مبهر”، بل إن السيناتور ليندسي جراهام قال إن “الأمير محمد يمثل مستقبلاً مشرقاً “.